تبدأ الحكاية في المجدل، حيث البيت الكبير "الدار الفوقا" و"الدار التحتا"، هذه الأخيرة كانت قاعة للنسيج يعمل فيها الرجال والنساء والأطفال خلف الأنوال والدواليب. كان جدي نبياً ورسولاً للغزل والنسيج ومهندساً أزلياً للنول. عشنا طفولة فيها ألعابنا وتقاليدنا الخاصة، مثل تلوين البيض المسلوق بخيوط الحرير، ما كان يثير الغيظ والمرارة مقارنة بغيرنا. كانت المرارة تصعد إلى حلقي، والجفاف يقبض على لساني عند التحول عن رواية جدتي إلى رواية أمي. ثم جاءت الحرب. الجيوش المصرية اتخذت مواقع، وحظرت الاقتراب من الشاطئ. شعر الناس بالخوف. قرروا أن بنادقنا لا تستطيع حماية الأرض، فانسحبنا، لجأنا من فلسطين إلى فلسطين. طردنا الخوف والهلع من بيوتنا. ابتلع البحر المراكب، وطارد البرد والعطش القوافل. رحلت المجدل وأخذتهم معها لاجئين إلى غزة، معدمين إلا من حصص الإعاشة. في غزة، بدأت حياة المخيم. تفرقنا في مواقع وحارات بعيدة. انتشرت القاعات في أحياء المدينة، في البوايك وتحت الخيام في المخيمات. اعتمدنا على حصص الإعاشة من وكالة الغوث. كانت حصص الإعاشة الساخنة المخلوطة بزيت السمك طعامنا. كان الجفاف يصعد إلى حلقي وتتركز المرارة في لساني مع حكايات الجوع والعطش. في المخيم، عاد أبي لياقته وتحول إلى التجارة، أصبح صاحب أنوال ودكان، يبيع ويشتري في سوق المجدل بغزة. استمر العمل في القاعة، لكن الأمور تغيرت، وتراجع عدد الأنوال والعمال. عشنا أحداثاً قاسية ورأينا مشاهد صادمة. كنت أتشبث بكتف أبي وأنا السند المأمول، وأتساءل لماذا نحن أغراب. تعلمنا الخياطة وزريفة أصبحت خياطة الدار. رأينا الصراع بين طرق التجارة التقليدية والحديثة. الحياة في غزة استمرت، ننام على حلم كبير ونصحو على قتل وفقر ودم وطوابير إعاشة. تحملنا قسوتها. ظل الجفاف يصعد إلى حلقي، والمرارة تقبض على لساني. كنا ننمو ونتعلم، ونحمل معنا ذاكرة المجدل والأيام الخوالي. هذه قصتنا، حكاية أناس اقتلعتهم الحرب، ليعيشوا واقع اللجوء في غزة، حيث تداخلت ذاكرة الماضي مع مرارة الحاضر، وحيث استمر الصمود رغم كل الصعاب.